إن الله عز و جل بعث نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بالحق إلى البشرية أجمعين، و أيده بالعديد من المعجزات فكان أشرفها و أعظمها القرآن الكريم، هذه المعجزة الدائمة التي كلما تعمقت فيها إلا و انبهرت لاعجازاته غير المنتهية ، و ليسهل و يبسط الدين أكثر للمؤمنين في مختلف مجالات الحياة كان هنالك الحديث القدسي و كذلك الحديث النبوي مما اثر عن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
غير أن الكثيرين لا يفهمون المعنى الحقيقي و الفرق البائن بين هذه المصطلحات الثلاثة فـ :
القرآن الكريم : هو كلام الله تبارك تعالى، المسجل بين دفتي المصحف الشريف، و هو المعجزة التي أيد الله بها نبيه محمد صلى الله عليه و سلم، و تحدى مكذّبيه، و هو منقول بالتواتر، و معصوم إلى آخر الدهر من أي تحريف.
و لعل ما أفضل ما يوصف به القرآن ما جاء عن الحارث الأعور قال : مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي رضي الله عنه فأخربرته فقال : أو قد فعلوها ؟ قلت : نعم. قال : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أما إنها ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : " كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَاُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ اَضَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْاَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْاَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ اِذْ سَمِعَتْهُ اَنْ قَالُوا اِنَّا سَمِعْنَا قُرْانًا عَجَبًا هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ اُجِرَ وَمَنْ دَعَا اِلَيْهِ هُدِيَ اِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
أما الحديث القدسي : فهو كلام الله تعالى لكن لا يحتوي الخصائص القرآنية، فليس معجزا في عباراته و لا وقع به التحدي، ثم إنه لا يتعبد بتلاوته، فلا تصح به صلاة .. و لم يصل إلينا بالتواتر القطعي، فالأحاديث القدسية قد يكون فيها الصحيح و الحسن و الضعيف .
و يرى البعض أن الحديث القدسي من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم، عبر فيه الرسول عن مراد الله تعالى،و كأن لسان الحال يقول كذا، و الجمهور على الرأي الأول،و أنه يشبه الوحي النازل في صحف إبراهيم و موسى، أي كلام إلهي غير معجز، لم نكلف بتلاوته ألفاظه و التعبد بها كما تقرر ذلك للقرآن الكريم.
و من نماذج الحديث القدسي ما رواه أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول الله تعالى : " يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة !! ".
و أما الحديث النبوي : فهو ما ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو حُكم أو تقرير، فإن الرسول الكريم إمام الأمة، و أسوتها الحسنة، و له عليها حق الطاعة، كما بين الله ذلك في كتابه { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (56) سورة النور ، { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } (80) سورة النساء.
و إن تجاهل السنة النبوية جهل فاضح بقدر أعظم رجل في تاريخ الإنسانية الطويل، إن محمد - لو لم يكن رسولا - لكان لنفاسة معدنه، و طهر سريرته، و مجادة نفسه، أهلا لأن يسمع نصحه، فكيف و هو بالرسالة التي اختير لها، فقد اتصل بالملأ الأعلى و أضحى معصوما في كل ما يصدر عنه { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } (3) سورة النجم
و نختار من الحكمة النبوية هذا الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثَلاثٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ولا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاةِ يَمْنَعُهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ ) .
Leave your comment
إرسال تعليق